الإسناد الخبرى

القول فى أحوال الإسناد الخبري ...
 من المعلوم لكل عاقل أن قصد المتكلم بالخبر الذى ينقله إفادة السامع بشىء لا يعلمه كقولك : زيد قائم وهذا يُسمى فائدة الخبر ، وقد يكون السامع يعرف الخبر ولا يعلم أن المتكلم يعلمه كقولك لمن زيد عنده : زيد عندك ويُسمى هذا لازم فائدة الخبر .

وملخص ذلك أن الخبر يُستخدم لأحد غرضين :
الغرض الأول : أن المتكلم ينقل خبراً يجهله المستمع ويقصد من وراء نقل الخبر إفادة المستمع بهذه المعلومة وهذا يُسمى فائدة الخبر .
الغرض الثاني : أن المتكلم ينقل خبراً ولا يقصد من وراء نقل الخبر إفادة المستمع بهذه المعلومة ولكن يقصد إفادة المستمع أنه أيضاً يعلمها وهذا يُسمى لازم فائدة الخبر .
للتوضيح أكثر هيا بنا نعرف معنى فائدة الخبر ولازم فائدة الخبر
فائدة الخبر : أى أن المستمع سيستفيد من المعلومة التى يلقيها إليه المتكلم .
لازم فائدة الخبر : أى أن المستمع لن يستفيد بالمعلومة التى يلقيها إليه المتكلم ولكن سيستفيد من شىء آخر مرتبط ولازم للمعلومة التى يلقيها إليه المتكلم .

وهناك أغراض أخرى للخبر غير هذه الأغراض تسمى أغراض فرعية منها الآتى :
أولاً : التحسر .
كقول أم مريم : "رب إنى وضعتها أنثى"
فهى هنا لم تُرد إخبار الله بذلك لأن الله تعالى يعلم ذلك ولم تُرد لازم الفائدة لأن الله يعلم أنها تعلم ذلك ، ولكنها تريد إظهار التحسر والحزن والأسف لأنها كانت تريد المولود ذكراً ليخدم بيت المقدس كما نذرت فلما جاء المولود أنثى حزنت لأنها لاتستطيع أن تقوم بما يقوم به الذكر فى خدمة بيت المقدس .
وكقول الشاعر : ذهب الشباب فما له من عودة   وأتى المشيب فأين من المهرب

ثانيا ً: إظهار الضعف .
كما جاء على لسان سيدنا موسى عليه السلام "رب إنى لما أنزلت إليَّ من خير فقير" فعلى الرغم من القوة التى أعطاها الله لسيدنا موسى وظهرت هذه القوة فى قتله لرجل بوكزه واحدة وبرفعه لغطاء البئر إلا أنه يعترف بضعفه وحاجته إلى ربه .
وكما جاء على لسان سيدنا زكريا "رب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيباً" فهنا يشكو سيدنا زكريا ضعفه إلى ربه ليرحمه ويطيه سؤله .

ثالثاً : الوعظ والإرشاد .
كما فى قوله تعالى :"كل نفسٍ ذائقة الموت" فالخبر هنا يدل على الوعظ والإرشاد لذا كان مُراد كل من يذكر هذه الآيه فى خطبة أو موعظة هو ترقيق القلوب والتذكير بالمصير المعروف ليتعظ الناس .

رابعاً : الإسترحام .
كما فى قوله تعالى :"إنه لايغفر الذنوب إلا أنت"

خامساً : إظهار الفرح بمُقبل والشماتة بمُدبر .
كقولك : جاء الحق وزهق الباطل .

سادساً : السرور .
كقولك لمن يعلم : أخذت جائزة التقدم .
... وغيرها كثير من الأغرض كالمدح والفخر وغيرها .

أنواع الإخبار أو أضرُب الخبر ...
ينقسم الخبر أو الإخبار إلى ثلاثة أنواع وهم
النوع الأول : الخبر الإبتدائي .
وهو الخبر الموجه إلى مستمع خالى الذهن وهنا يوجه إليه الكلام خالياً من أساليب التوكيد .
النوع الثاني : الخبر الطلبى .
وهو الخبر الموجه إلى مستمع شاكٍ أو متردد وهنا يُستحسن تأكيد الكلام له بمؤكد واحد لإزالة تردده وشكه.
النوع الثالث : الخبر الإنكاري .
وهو الخبر الموجه إلى مستمع مُنكر أو مُكذب للخبر وهنا تقتضى البلاغة توكيد الكلام له بأكثر من مؤكد بحسب قوة إنكاره للخبر وتكذيبه له .
وللتوضيح أكثر تابع معي فى هذا المثال ...
لو فرضنا أنك تريد إخبار أحد أصدقائك عن إعلان الكلية عن جدول الإختبارات النهائية ، فى الأحوال العادية تقول له : أعلنت الكلية عن الجدول ، فإذا رأيت أنه متردد فى تصديق الخبر بسبب خبر آخر قد سمعه أو غير ذلك فمن البلاغة أن تنتقل معه إلى النوع الثانى من الخبر وهو الخبر الطلبي فتقول له : إن الكلية أعلنت عن الجدول ، فإن كذبك وكذب الخبر الذى تنقله له بأن يقول لك مثلاً : أنت مخطىء أو معلوماتك خاطئة فهنا لابد من الإنتقال إلى النوع الثالث من الخبر وهو الخبر الإنكاري فتقول له : والله إن الكلية قد أعلنت عن الجدول ، فإن زاد فى الإنكار والتكذيب زدت أنت معه فى المؤكدات فيمكن أن تقول له : والله لقد أعلنت الكلية عن الجدول .
وهذا التنوع في الخبر – بحسب - المخاطب واضح في الأسلوب القرآن، ولعل ذلك يتضح من خلال هذا الشاهد القرآني، قال الله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ  إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ  قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ  قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾
سنقف مع هذه الآيات لننظر في أنواع الخبر الواردة فيها، وكيف ترقى التوكيد مرة بعد مرة، بحسب درجة الإنكار، فنجد الخبر الأول وهو: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ قد جاء ملائماً لرد القوم الذين كذبوا الرسل بدليل قوله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾، وهو دليل على إنكارهم، فقال الرسل: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ فأكدوا كلامهم بـ(إن) واسمية الجملة، إذ هي تدل على الثبوت، وبالتقديم للجار والمجرور ﴿إِلَيْكُمْ﴾ أي: إليكم خصوصاً، ثم رد الأقوام على الرسل بتكذيب أشد وإنكار أعنف حيث قالوا لهم: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ﴾، فوصفوهم بعدم الأهلية للرسالة فماهم إلا بشر، وقد شددوا في ذلك كما يدل عليه الحصر بطريق النفي والاستثناء، وأيضاً فقد أنكروا أنهم نُزِّل عليهم من الرحمن شيء، وأمعنوا في ذلك كما يدل عليه دخول الجار (من) على كلمة (شيء) أي جزء من الشيء، ثم نسبوهم إلى الكذب صراحة: فهذه خمسة مظاهر من مظاهر التكذيب جابهوا بها الرسل وردوا بها كلامهم
وكما نرى هنا فالإنكار قد تنامى وزاد،هذا يحتاج إلى رد مناسب لزيادة هذا الإنكار، فكان أن قالوا: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ فحشدوا ستة مؤكدات في كلامهم، الأول: إنّ، الثاني: اسمية الجملة، الثالث: التقديم (إليكم)، وهذه قد سبقت من قبل، الرابع: التأكيد بنسبة العلم إلى الله، الخامس: ما يقوم مقام القسم (ربنا)، السادس: اللام في ﴿لَمُرْسَلُونَ﴾ .
وهكذا يتبين كيف تغيّر الكلام بتغيّر حال المخاطب، وكيف زادت المؤكدات بزيادة نسبة التكذيب والإنكار، وهكذا ينبغي أن يكون كلامنا .
يقول المبرد راداً - ومبيناً أنواع الخبر الثلاثة - على كلام الكندى عندما قال : إنى أجد فى كلام العرب حشواً يقولون : عبد الله قائم ، إن عبد الله قائم ، إن عبد الله لقائم وكلهم بمعنى واحد ...
ولكن المبرد يرد عليه بأن المعاني مختلفة حيث أن
عبد الله قائم : إخبار عن قيام زيد ويُسمى خبر إبتدائي .
إن عبد الله قائم : جواب عن سؤال سائل ويُسمى خبر طلبي .
إن عبد الله لقائم : جواب عن إنكار المُنكر ويُسمى خبر إنكاري .
إنتهى
 ...
أتمنى أن أكون قد تناولت الموضوع بشىء من الوضوح وأتمنى أن أكون قد أفدتكم
شكراً لكم
...
كن أحد معجبينا للفيس بوك وإضغط زر like أو ساهم بنشر الصفحة share
كن إيجابياً لا تقرأ وترحل بل أترك لنا تعليقاً...
إدعــم : صفحتى للفيـس بـوك


 

حقوق تطوير وتعديل القالب والإضافة عليه : أنس الباشا | مستضاف على بلوجر | فوتوشوب | تعديــــل | تعديــــل